فصل: ما يسقط به حدّ القذف

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


الموسوعة الفقهية / الجزء الثالث والثلاثين

قَذْف

التّعريف

1 - القذف لغةً‏:‏ الرّمي مطلقاً، والتّقاذف التّرامي، ومنه الحديث‏:‏ «كان عند عائشة رضي الله عنها قينتان تغنّيان بما تقاذفت فيه الأنصار من الأشعار يوم بعاث» أي‏:‏ تشاتمت، وفيه معنى الرّمي‏;‏ لأنّ الشّتم رمي بما يعيبه ويشينه‏.‏

واصطلاحاً‏:‏ عرّفه الحنفيّة والحنابلة بأنّه‏:‏ الرّمي بالزّنا، وزاد الشّافعيّة‏:‏ ‏"‏في معرض التّعيير‏"‏، وعرّفه المالكيّة بأنّه‏:‏ رمي مكلّف حرّاً مسلماً بنفي نسب عن أب أو جدّ أو بزناً‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - اللّعان‏:‏

2 - اللّعان لغةً‏:‏ مصدر لاعن كقاتل من اللّعن، وهو الطّرد والإبعاد‏.‏

واصطلاحاً‏:‏ عبارة عن كلمات معلومة جعلت حجّةً للمضطرّ إلى قذف من لطّخ فراشه وألحق به العار، أو شهادات مؤكّدات بالأيمان، مقرونة باللّعن من جهة، وبالغضب من الأخرى، قائمة مقام حدّ القذف في حقّه، ومقام حدّ الزّنا في حقّها‏.‏

والصّلة بين القذف واللّعان أنّ اللّعان سبب لدرء حدّ القذف عن الزّوج‏.‏

ب - السّبّ‏:‏

3 - السّبّ لغةً واصطلاحاً‏:‏ هو الشّتم، وهو‏:‏ كلّ كلام قبيح‏.‏

والصّلة‏:‏ أنّ السّبّ أعمّ من القذف‏.‏

ج - الرّمي‏:‏

4 - من معاني الرّمي‏:‏ القذف والإلقاء، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَالذينَ يَرْمُونَ‏}‏، أي‏:‏ يقذفون، ويقال‏:‏ رميت الحجر‏:‏ ألقيته‏.‏

والرّمي أعمّ من القذف‏.‏

د - الزّنا‏:‏

5 - الزّنا بالقصر لغة أهل الحجاز، وبالمدّ لغة أهل نجد، ومعناه الفجور، يقال‏:‏ زنى يزني زناً‏:‏ فجر‏.‏

واصطلاحاً‏:‏ عرّفه الحنفيّة بأنّه وطء الرّجل المرأة في القبل في غير الملك وشبهته‏.‏

والصّلة بينهما‏:‏ أنّ القذف اتّهام بالزّنا‏.‏

الحكم التّكليفيّ

6 - قذف المحصن والمحصنة حرام، وهو من الكبائر، والأصل في تحريمه الكتاب والسّنّة‏.‏ أمّا الكتاب فقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَالذينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ‏}‏، وقوله سبحانه‏:‏ ‏{‏إِنَّ الذينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ‏}‏‏.‏

وأمّا السّنّة‏:‏ فقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «اجتنبوا السّبع الموبقات، قالوا‏:‏ يا رسول اللّه، وما هنّ‏؟‏ قال‏:‏ الشّرك باللّه، والسّحر، وقتل النّفس الّتي حرّم اللّه إلاّ بالحقّ، وأكل الرّبا، وأكل مال اليتيم، والتّولّي يوم الزّحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات»‏.‏

وقد يكون واجباً وهو‏:‏ أن يرى امرأته تزني في طهر لم يطأها فيه ثمّ يعتزلها حتّى تنقضي عدّتها، فإن أتت بولد لستّة أشهر من حين الزّنى وأمكنه نفيه عنه، وجب عليه قذفها ونفي ولدها‏.‏

ومباح‏:‏ وهو أن يرى زوجته تزني، أو يثبت عنده زناها، وليس ثم ولد يلحقه نسبه‏.‏

صيغة القذف

7 - القذف على ثلاثة أضرب‏:‏ صريح، وكناية، وتعريض‏.‏

فاللّفظ الذي يقصد به القذف‏:‏ إن لم يحتمل غيره فصريح، وإلاّ فإن فهم منه القذف بوضعه فكناية، وإلاّ فتعريض‏.‏

واتّفق الفقهاء على أنّ القذف بصريح الزّنا يوجب الحدّ بشروطه‏.‏

وأمّا الكناية‏:‏ فعند الشّافعيّة والمالكيّة‏:‏ إذا أنكر القذف صدّق بيمينه، وعليه التّعزير عند جمهور فقهاء الشّافعيّة، للإيذاء، وقيّده الماورديّ بما إذا خرج اللّفظ مخرج السّبّ والذّمّ، فإن أبى أن يحلف، حبس عند المالكيّة، فإن طال حبسه ولم يحلف عزّر‏.‏

ولكنّهم اختلفوا في بعض الألفاظ‏:‏

فعند الشّافعيّة إذا قال لرجل‏:‏ يا فاجر، يا فاسق، يا خبيث، أو لامرأة‏:‏ يا فاجرة، يا فاسقة، يا خبيثة، أو أنت تحبّين الخلوة، أو لا تردّين يد لامس، فإن أنكر إرادة القذف صدّق بيمينه‏;‏ لأنّه أعرف بمراده، فيحلف أنّه ما أراد القذف، ثمّ عليه التّعزير‏.‏

وعند المالكيّة‏:‏ إذا قال لآخر‏:‏ يا فاجر، يا فاسق، أو يا ابن الفاجرة، أو يا ابن الفاسقة، يؤدّب، فإذا قال‏:‏ يا خبيث، أو يا ابن الخبيثة، فإنّه يحلف أنّه ما أراد قذفاً، فإن أبى أن يحلف يحبس، فإن طال حبسه ولم يحلف عزّر‏.‏

وإذا قال‏:‏ يا فاجر بفلانة، ففيه قولان‏:‏ الأوّل‏:‏ حكمه حكم ما إذا قال‏:‏ يا خبيث، أو يا ابن الخبيثة‏.‏

الثّاني‏:‏ أن يضرب حدّ القذف، إلاّ أن تكون له بيّنة على أمر صنعه من وجوه الفجور، أو من أمر يدّعيه، فيكون فيه مخرج لقوله، فإن لم يكن له بيّنة، فعليه الحدّ، وإذا قال لآخر‏:‏ يا مخنّث، فعند المالكيّة عليه الحدّ، إلاّ أن يحلف باللّه، إنّه لم يرد بذلك قذفاً، فإن حلف عفي عنه بعد الأدب، ولا يضرب حدّ الفرية، وإنّما تقبل يمينه، إذا كان المقذوف فيه تأنيث ولين واسترخاء، فحينئذ يصدّق، ويحلف إنّه لم يرد قذفاً، وإنّما أراد تأنيثه ذلك، وأمّا إذا كان المقذوف ليس فيه شيء من ذلك، ضرب الحدّ، ولم تقبل يمينه، إذا زعم أنّه لم يرد بذلك قذفاً، ولو قال لامرأة‏:‏ يا قحبة، فعليه الحدّ عند المالكيّة، وهو الظّاهر عند الشّافعيّة‏.‏

وعند الحنفيّة والحنابلة‏:‏ لا حدّ إلاّ على من صرّح بالقذف، فلو قال رجل لآخر‏:‏ يا فاسق يا خبيث، أو يا فاجر، أو يا فاجر ابن الفاجر، أو يا ابن القحبة، فلا حدّ عليه‏;‏ لأنّه ما نسبه ولا أمّه إلى صريح الزّنا، فالفجور قد يكون بالزّنا وغير الزّنا، والقحبة من يكون منها هذا الفعل، فلا يكون هذا قذفاً بصريح الزّنا، فلو أوجبنا الحدّ، فقد أوجبناه بالقياس، ولا مدخل للقياس في الحدّ، لكنّه عليه التّعزير‏;‏ لأنّه ارتكب حراماً، وليس فيه حدّ مقدّر‏;‏ ولأنّه ألحق به نوع شين بما نسبه إليه، فيجب التّعزير، لدفع ذلك الشّين عنه‏.‏

8 - ولو قال رجل لآخر‏:‏ زنأت مهموزاً، كان قذفاً صريحاً عند أبي حنيفة وصاحبيه، والحنابلة في المذهب، وهو أحد قولين في مقابل الأصحّ للشّافعيّة‏;‏ لأنّ عامّة النّاس لا يفهمون من ذلك إلاّ القذف، فكان قذفاً، كما لو قال‏:‏ زنيت‏.‏

والقول الثّاني في مقابل الأصحّ للشّافعيّة‏:‏ أنّه إن كان من أهل اللّغة فكناية، وإن كان من العامّة فهو قذف‏;‏ لأنّ العامّة لا يفرّقون بين زنيت وزنأت‏.‏

والأصحّ عند الشّافعيّة‏:‏ أنّه كناية‏.‏

وقال ابن حامد من الحنابلة‏:‏ إن كان عامّيّاً فهو قذف، وإن كان من أهل العربيّة لم يكن قذفاً‏.‏

9 - ولو قال لرجل‏:‏ يا زانية، لا يحدّ استحساناً عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وهو أحد قولين للحنابلة‏;‏ لأنّه رماه بما يستحيل منه‏.‏

وعند الشّافعيّة ومحمّد يحدّ‏;‏ لأنّه قذفه على المبالغة، فإنّ التّاء تزاد له كما في علّامة ونسّابة، وهو القول الثّاني للحنابلة، ورجّحه في المغني‏;‏ لأنّ ما كان قذفاً لأحد الجنسين، كان قذفاً للآخر، كقوله‏:‏ زنيت بفتح التّاء وكسرها لهما جميعاً‏;‏ ولأنّ هذا خطاب له، وإشارة إليه بلفظ الزّنا، وذلك يغني عن التّمييز بتاء التّأنيث وحذفها، ولو قال لامرأة‏:‏ ‏"‏يا زاني ‏"‏ حدّ عندهم جميعاً‏;‏ لأنّ التّرخيم شائع، كقولهم في ‏"‏ مالك ‏"‏‏:‏ ‏"‏يا مال ‏"‏ وفي ‏"‏ حارث ‏"‏‏:‏ ‏"‏يا حارّ ‏"‏‏.‏

10 - وإن قال زنى فرجك، أو ذكرك، فهو قذف‏;‏ لأنّ الزّنا يقع بذلك، وإن قال‏:‏ زنت عينك، أو يدك، أو رجلك، فليس بقذف عند الحنفيّة‏.‏

وللشّافعيّة فيه قولان‏:‏ المذهب أنّه كناية، إن قصد القذف كان قذفاً، وإلاّ فلا‏;‏ لأنّ الزّنا لا يوجد من هذه الأعضاء حقيقةً، ولهذا قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إنّ اللّه كتب على ابن آدم حظّه من الزّنا، أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النّظر، وزنا اللّسان النّطق، والنّفس تتمنّى وتشتهي، والفرج يصدّق ذلك كلّه ويكذّبه»، ومقابل المذهب‏:‏ أنّه قذف، لأنّه أضاف الزّنا إلى عضو منه، فأشبه ما إذا أضافه إلى الفرج، فإن قال‏:‏ زنى بدنك، ففيه وجهان‏:‏ أحدهما‏:‏ أنّه ليس بقذف من غير نيّة‏;‏ لأنّ الزّنا بجميع البدن يكون بالمباشرة، فلم يكن صريحاً في القذف‏.‏

والثّاني‏:‏ أنّه قذف‏;‏ لأنّه أضافه إلى جميع البدن، والفرج داخل فيه‏.‏

وإن قال لرجل‏:‏ أنت أزنى من فلان، فلا حدّ عليه عند الحنفيّة مطلقاً‏;‏ لأنّ أفعل يذكر بمعنى المبالغة في العلم، فكان معنى كلامه‏:‏ أنت أعلم بالزّنا من فلان، أو أنت أقدر على الزّنا من فلان‏.‏

وعند الشّافعيّة‏:‏ لا يكون قذفاً من غير نيّة‏.‏

وعند الحنابلة وأبي يوسف من الحنفيّة‏:‏ يكون قذفاً فيحدّ، وهل يكون قاذفاً للثّاني‏؟‏

فيه وجهان‏:‏ أحدهما‏:‏ يكون قاذفًا له، لأنّه أضاف الزّنا إليهما، وجعل أحدهما فيه أبلغ من الآخر، فإنّ لفظة‏:‏ ‏"‏أفعل ‏"‏ للتّفضيل، فيقتضي اشتراك المذكورين في أصل الفعل، وتفضيل أحدهما على الآخر فيه، كقوله‏:‏ ‏"‏أجود من حاتم ‏"‏‏.‏

والثّاني‏:‏ يكون قاذفاً للمخاطب خاصّةً‏;‏ لأنّ لفظة‏:‏ ‏"‏أفعل ‏"‏ قد تستعمل للمنفرد بالفعل، كقول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى‏}‏‏.‏

وذهب الحنفيّة إلى أنّه إن قال لرجل‏:‏ يا زاني، فقال آخر‏:‏ صدقت، لم يحدّ المصدّق‏;‏ لأنّه ما صرّح بنسبته إلى الزّنا، وتصديقه إيّاه لفظ محتمل، يجوز أن يكون المراد به في الزّنا وفي غيره، وإن كان باعتبار الظّاهر إنّما يفهم منه التّصديق في الزّنا، ولكنّ هذا الظّاهر لا يكفي لإيجاب الحدّ، إلاّ أن يكون قال‏:‏ صدقت هو كما قلت، فحينئذ قد صرّح بكلامه أنّ مراده التّصديق في نسبته إلى الزّنا، فيكون قاذفاً له‏.‏

وقال زفر‏:‏ في كلتا المسألتين يحدّان جميعاً، وإن قال لرجل‏:‏ أشهد أنّك زان، وقال آخر‏:‏ وأنا أشهد أيضاً، لا حدّ على الآخر‏;‏ لأنّ قوله أشهد كلام محتمل، فلا يتحقّق به القذف إلاّ أن يقول‏:‏ أنا أشهد عليه بمثل ما شهدت به، فحينئذ يكون قاذفاً له‏.‏

11 - ومن قذف رجلاً بعمل قوم لوط إمّا فاعلاً أو مفعولاً، فعليه حدّ القذف‏;‏ لأنّه قذفه بوطء يوجب الحدّ، فأشبه القذف بالزّنا، وهذا قول الحسن والنّخعيّ، والزّهريّ ومالك والشّافعيّ، وأحمد وأبي يوسف، ومحمّد بن الحسن وأبي ثور‏.‏

وقال عطاء وقتادة وأبو حنيفة‏:‏ لا حدّ عليه‏;‏ لأنّه قذفه بما لا يوجب الحدّ عندهم، وكذلك لو قذف امرأةً أنّها وطئت في دبرها، أو قذف رجلاً بوطء امرأة في دبرها‏.‏

وإن قال لرجل‏:‏ ‏"‏يا لوطيّ ‏"‏، وقال‏:‏ أردت أنّك على دين قوم لوط، فعليه الحدّ عند الزّهريّ ومالك، وما صحّ عند الحنابلة، ولا يسمع تفسيره بما يحيل القذف، لأنّ هذه الكلمة لا يفهم منها إلاّ القذف بعمل قوم لوط، فكانت صريحةً فيه، كقوله‏:‏ ‏"‏يا زاني ‏"‏، ولأنّ قوم لوط لم يبق منهم أحد، فلا يحتمل أن ينسب إليهم‏.‏

وقال الحسن والنّخعيّ والشّافعيّ‏:‏ إذا قال‏:‏ نويت أنّ دينه دين قوم لوط، فلا حدّ عليه، وإن قال‏:‏ أردت أنّك تعمل عمل قوم لوط، فعليه الحدّ، ووجه ذلك أنّه فسّر كلامه بما لا يوجب الحدّ، وهو يحتمل، فلم يجب عليه الحدّ، كما لو فسّره به متّصلاً بكلامه‏.‏

حكم التّعريض

12 - وأمّا التّعريض بالقذف‏:‏ فقد اختلف الفقهاء في وجوب الحدّ به‏:‏

فذهب الحنفيّة‏:‏ إلى أنّ التّعريض بالقذف، قذف، كقوله‏:‏ ما أنا بزان، وأمّي ليست بزانية، ولكنّه لا يحدّ‏;‏ لأنّ الحدّ يسقط للشّبهة، ويعاقب بالتّعزير‏;‏ لأنّ المعنى‏:‏ بل أنت زان‏.‏

وذهب مالك‏:‏ إلى أنّه إذا عرَّض بالقذف غيرُ أب، يجب عليه الحدّ إن فهم القذف بتعريضه بالقرائن، كخصام بينهم، ولا فرق في ذلك بين النّظم والنّثر، أمّا الأب إذا عرّض لولده، فإنّه لا يحدّ، لبعده عن التّهمة‏.‏

وهو أحد قولين للإمام أحمد‏;‏ لأنّ عمر رضي الله عنه استشار بعض الصّحابة في رجل قال لآخر‏:‏ ما أنا بزان ولا أمّي بزانية‏.‏ فقالوا‏:‏ إنّه قد مدح أباه وأمّه، فقال عمر‏:‏ قد عرّض لصاحبه، فجلده الحدّ‏.‏

والتّعريض بالقذف عند الشّافعيّة، كقوله‏:‏ يا ابن الحلال، وأمّا أنا فلست بزان، وأمّي ليست بزانية، فهذا كلّه ليس بقذف وإن نواه‏;‏ لأنّ النّيّة إنّما تؤثّر إذا احتمل اللّفظ المنويّ، ولا دلالة هنا في اللّفظ، ولا احتمال، وما يفهم منه مستنده قرائن الأحوال، هذا هو الأصحّ‏.‏ وقيل‏:‏ هو كناية، أي عن القذف، لحصول الفهم والإيذاء، فإن أراد النّسبة إلى الزّنا فقذف، وإلاّ فلا‏.‏ وسواء في ذلك حالة الغضب وغيرها، وهو أحد قولي الإمام أحمد‏.‏

شروط حدّ القذف

لحدّ القذف شروط في القاذف، وشروط في المقذوف‏:‏

أ - شروط القاذف‏:‏

13 - اتّفق الفقهاء على أنّه يشترط في القاذف‏:‏ البلوغ والعقل والاختيار، وسواء أكان ذكراً أم أنثى، حراً أو عبداً، مسلماً أو غير مسلم‏.‏

واختلف الفقهاء في شروط، منها‏:‏

أولاً - الإقامة في دار العدل‏:‏ وهو شرط عند الحنفيّة، احترازاً عن المقيم في دار الحرب‏.‏

ثانياً - النّطق‏:‏ وهو شرط عند الحنفيّة، فلا حدّ على الأخرس‏.‏

ثالثاً - التزام أحكام الإسلام‏:‏ وهو شرط عند الشّافعيّة، فلا حدّ على حربيّ، لعدم التزامه أحكام الإسلام‏.‏

رابعاً - العلم بالتّحريم‏:‏ وهو شرط عند الشّافعيّة، وهو احتمال عند الحنفيّة، فلا حدّ على جاهل بالتّحريم‏;‏ لقرب عهده بالإسلام، أو بعده عن العلماء‏.‏

خامساً - عدم إذن المقذوف‏:‏ وهو شرط عند الشّافعيّة، فلا حدّ على من قذف غيره بإذنه، كما نقله الرّافعيّ عن الأكثرين‏.‏

سادساً - أن يكون القاذف غير أصل للمقذوف‏:‏ وهو شرط عند الحنفيّة، والمذهب عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة، وفي قول عند المالكيّة يحدّ الأب بقذف ابنه‏.‏

ب - شروط المقذوف‏:‏

كون المقذوف محصناً‏:‏

14 - يشترط في المقذوف - الذي يجب الحدّ بقذفه من الرّجال والنّساء - أن يكون محصناً، وشروط الإحصان في القذف‏:‏ البلوغ، والعقل، والإسلام، والحرّيّة، والعفّة عن الزّنا، فإن قذف صغيراً أو مجنوناً لم يجب عليه الحدّ‏;‏ لأنّ ما رمى به الصّغير والمجنون لو تحقّق لم يجب به الحدّ، فلم يجب الحدّ على القاذف، كما لو قذف عاقلاً بما دون الوطء، وإن قذف كافراً لم يجب عليه الحدّ، لما روى ابن عمر رضي الله عنهما‏:‏ «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ من أشرك باللّه فليس بمحصن»، وإن قذف مملوكًا لم يجب عليه الحدّ‏;‏ لأنّ نقص الرّقّ يمنع كمال الحدّ، فيمنع وجوب الحدّ على قاذفه، وإن قذف زانياً لم يجب عليه الحدّ، لقوله عزّ وجلّ‏:‏ ‏{‏وَالذينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً‏}‏، فأسقط الحدّ عنه إذا ثبت أنّه زنى، فدلّ على أنّه إذا قذفه وهو زان لم يجب عليه الحدّ، وقال مالك في الصّبيّة الّتي يجامع مثلها‏:‏ يحدّ قاذفها، خصوصاً إذا كانت مراهقةً، فإنّ الحدّ بعلّة إلحاق العار، ومثلها يلحقها‏.‏

والتّفصيل في مصطلح ‏(‏إحصان ف / 15 - 19‏)‏‏.‏

وقوعه في دار الحرب أو دار الإسلام

15 - ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة‏:‏ إلى أنّه يجب الحدّ على القاذف في غير دار الإسلام، مع مراعاة الشّروط السّابقة في القاذف، كما يجب في دار الإسلام، لأنّه لا فرق بين دار الحرب ودار الإسلام فيما أوجب اللّه على خلقه من الحدود‏;‏ لأنّ اللّه تعالى يقول‏:‏ ‏{‏الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئةَ جَلْدَةٍ‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَالذينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً‏}‏، وقال‏:‏ ‏{‏وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا‏}‏، ولم يستثن من كان في دار الإسلام، ولا في دار الكفر، والحرام في دار الإسلام حرام في دار الكفر، فمن أصاب حراماً فقد حدّه اللّه على ما كان منه، ولا تضع عنه بلاد الكفر شيئاً، ويقام الحدّ في كلّ موضع‏;‏ لأنّ أمر اللّه تعالى بإقامته مطلق في كلّ مكان وزمان، وقال الحنابلة‏:‏ لا يقام الحدّ إلاّ إذا رجع إلى بلاد الإسلام‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ لا حدّ على القاذف في غير دار الإسلام‏;‏ لأنّه في دار لا حدّ على أهلها‏;‏ ولأنّه ارتكب السّبب وهو ليس تحت ولاية الإمام، وإنّما تثبت للإمام ولاية الاستيفاء إذا ارتكب السّبب وهو تحت ولايته، وبدون المستوفى لا يجب الحدّ‏.‏

ولو دخل الحربيّ دارنا بأمان فقذف مسلماً، لم يحدّ في قول أبي حنيفة الأوّل‏;‏ لأنّ المغلّب في هذا الحدّ حقّ اللّه تعالى‏;‏ ولأنّه ليس للإمام عليه ولاية الاستيفاء، حين لم يلتزم شيئاً من أحكام المسلمين بدخوله دارنا بأمان‏.‏

ويحدّ في قول أبي حنيفة الآخر، وهو قول أبي يوسف ومحمّد رحمهم الله، فإنّ في هذا الحدّ معنى حقّ العبد، وهو ملتزم حقوق العباد‏;‏ ولأنّه بقذف المسلم يستخفّ به، وما أعطي الأمان على أن يستخفّ بالمسلمين، ولهذا يحدّ بقذف المسلم‏.‏

انظر مصطلح ‏(‏دار الحرب ف / 5‏)‏‏.‏

ثبوت حدّ القذف

ثبوته بالشّهادة

16 - يثبت القذف بشهادة شاهدين عدلين، ولا تقبل فيه شهادة النّساء مع الرّجال في قول عامّة الفقهاء، فعن الزّهريّ أنّه قال‏:‏ جرت السُّنة على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم والخليفتين من بعده، أن لا تقبل شهادة النّساء في الحدود، ولا تقبل فيه الشّهادة على الشّهادة، ولا كتاب القاضي إلى القاضي‏;‏ لأنّ موجبه حدّ يندرئ بالشّبهات، وهو قول النّخعيّ والشّعبيّ، وأبي حنيفة وأحمد‏.‏

وقال مالك وأبو ثور، والشّافعيّ في المذهب‏:‏ تقبل فيه الشّهادة على الشّهادة، وفي كلّ حقّ‏;‏ لأنّ ذلك يثبت بشهادة الأصل، فيثبت بالشّهادة على الشّهادة، كما يقبل فيه كتاب القاضي إلى القاضي‏.‏

ثبوته بالإقرار

17 - ويثبت بالإقرار كسائر الحقوق، ويجب الحدّ بإقراره، ومن أقرّ بالقذف ثمّ رجع لم يقبل رجوعه‏;‏ لأنّ للمقذوف فيه حقّاً، فيكذّبه في الرّجوع، بخلاف ما هو خالص حقّ اللّه تعالى‏;‏ لأنّه لا مكذّب له فيه، فيقبل رجوعه‏.‏

انظر مصطلح ‏(‏إقرار ف / 59 - 60، ومصطلح ‏(‏رجوع ف / 38‏)‏‏.‏

حدّ القذف

18 - حدّ القذف للحرّ ثمانون جلدةً، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَالذينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً‏}‏، وينصّفُ في حقّ العبد عند الجمهور‏.‏

وأمّا كيفيّة الجلد في الحدّ، ففيه تفصيل ينظر في مصطلح ‏(‏حدود ف / 46، 47 و 48‏)‏‏.‏

ويشترط لإقامة الحدّ بعد تمام القذف بشروطه شرطان‏.‏

الأوّل‏:‏ أن لا يأتي القاذف ببيّنة لقول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَالذينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ‏}‏، فيشترط في جلدهم عدم البيّنة، وكذلك يشترط عدم الإقرار من المقذوف‏;‏ لأنّه في معنى البيّنة، فإن كان القاذف زوجاً اشترط امتناعه من اللّعان، ولا نعلم في ذلك خلافًا‏.‏

الثّاني‏:‏ مطالبة المقذوف واستدامة مطالبته إلى إقامة الحدّ‏;‏ لأنّه حقّه، فلا يستوفى قبل طلبه كسائر حقوقه، ومن قال‏:‏ إنّ الحدّ من حقوق اللّه لم يشترط المطالبة، بل على الإمام أن يقيمه بمجرّد وصوله إليه‏.‏

ما يسقط به حدّ القذف

أوّلاً‏:‏ عفو المقذوف عن القاذف

19 - اختلف الفقهاء في عفو المقذوف عن القاذف، فذهب الشّافعيّة والحنابلة، وهو رواية عن أبي يوسف إلى أنّ للمقذوف أن يعفو عن القاذف، سواء قبل الرّفع إلى الإمام أو بعد الرّفع إليه‏;‏ لأنّه حقّ لا يستوفى إلاّ بعد مطالبة المقذوف باستيفائه، فيسقط بعفوه، كالقصاص، وفارق سائر الحدود، فإنّه لا يعتبر في إقامتها طلب استيفائها‏.‏

وذهب الحنفيّة إلى‏:‏ أنّه لا يجوز العفو عن الحدّ في القذف، سواء رفع إلى الإمام أو لم يرفع‏.‏ وذهب المالكيّة إلى‏:‏ أنّه لا يجوز العفو بعد أن يرفع إلى الإمام، إلاّ الابن في أبيه، أو الذي يريد ستراً، على أنّه لا يقبل العفو من أصحاب الفضل المعروفين بالعفاف‏;‏ لأنّهم ليسوا ممّن يدارون بعفوهم ستراً عن أنفسهم‏.‏

قال ابن رشد‏:‏ والسّبب في اختلافهم هل هو حقّ للّه أو حقّ للآدميّين أو حقّ لكليهما‏؟‏ فمن قال حقّ للّه‏:‏ لم يجز العفو كالزّنا، ومن قال حقّ للآدميّين‏:‏ أجاز العفو، ومن قال حقّ لكليهما وغلب حقّ الإمام إذا وصل إليه، قال بالفرق بين أن يصل الإمام أو لا يصل، وقياساً على الأثر الوارد في السّرقة في حديث صفوان بن أميّة في قصّة الذي سرق رداءه ثمّ أراد ألاّ يقطع، فقال له النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «فهلاّ كان هذا قبل أن تأتيني به»، وحديث ابن مسعود رضي الله عنه في قصّة الذي سرق‏:‏ «فأمر النّبيّ صلى الله عليه وسلم بقطعه، فرأوا منه أسفًا عليه، فقالوا‏:‏ يا رسول اللّه، كأنّك كرهت قطعه، قال وما يمنعني‏؟‏ لا تكونوا عوناً للشّيطان على أخيكم، إنّه ينبغي للإمام إذا انتهى إليه حدّ أن يقيمه، إنّ اللّه عفوّ يحبّ العفو»‏.‏

وعمدة من قال إنّه حقّ للآدميّين - وهو الأظهر -‏:‏ أنّ المقذوف إذا صدّقه فيما قذفه به سقط عنه الحدّ‏.‏

ثانياً‏:‏ اللّعان

20 - وذلك إذا رمى الرّجل زوجته بالزّنا، أو نفى حملها أو ولدها منه، ولم يقم بيّنةً على ما رماها به، فإنّ الحدّ يسقط عنه إذا لاعن زوجته‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏لعان‏)‏‏.‏

ثالثاً‏:‏ البيّنة

21 - إذا ثبت زنا المقذوف بشهادة، أو إقرار، حدّ المقذوف، وسقط الحدّ عن القاذف، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَالذينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ‏}‏، وفي بيان إثبات الزّنا بالشّهادة أو الإقرار انظر المصطلحات ‏(‏إقرار ف /34 - 37، وشهادة ف /29، وزنىً ف /30 - 41‏)‏‏.‏

رابعاً‏:‏ زوال الإحصان

22 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّه‏:‏ لو قذف محصناً، ثمّ زال أحد أوصاف الإحصان عنه، كأن زنى المقذوف، أو ارتدّ، أو جنّ، سقط الحدّ عن القاذف‏;‏ لأنّ الإحصان يشترط في ثبوت الحدّ، وكذلك استمراره‏.‏

وذهب الشّافعيّة إلى أنّ‏:‏ حدّ القذف يسقط بزنا المقذوف قبل إقامة الحدّ‏;‏ لأنّ الإحصان لا يستيقن بل يظنّ، ولكنّ حدّ القذف لا يسقط بردّة المقذوف، والفرق بين الرّدّة والزّنا أنّ الزّنا يكتم ما أمكن، فإذا ظهر أشعر بسبق مثله‏;‏ لأنّ اللّه تعالى كريم لا يهتك السّتر أوّل مرّة كما قاله عمر - رضي الله عنه - والرّدّة عقيدة، والعقائد لا تخفى غالباً، فإظهارها لا يدلّ على سبق الخفاء، ولا يسقط كذلك بجنون المقذوف‏.‏

وذهب الحنابلة إلى أنّ القذف إذا ثبت لا يسقط بزوال شرط من شروط الإحصان بعد ذلك، كما لو زنى المقذوف قبل إقامة الحدّ، أو جنّ فإنّه لا يسقط الحدّ عن القاذف بذلك‏.‏

خامساً‏:‏ رجوع الشّهود أو بعضهم عن الشّهادة

23 - إذا ثبت الحدّ بشهادة الشّهود، ثمّ رجعوا عن شهادتهم قبل إقامة الحدّ، سقط الحدّ باتّفاق الفقهاء، وكذلك إذا رجع بعضهم ولم يبق منهم ما يثبت الحدّ بشهادته منهم‏;‏ لأنّ رجوعهم شبهة، والحدود تدرأ بالشّبهات‏.‏

والتّفصيل في مصطلح ‏(‏رجوع ف / 37‏)‏‏.‏

التّعزير في القذف

24 - لا يقام حدّ القذف على القاذف إلاّ بشروطه، فإذا انعدم واحد منها أو اختلّ، فإنّ الجاني لا يحدّ، ويعزّر عند طلب المقذوف‏;‏ لأنّه ارتكب معصيةً لا حدّ فيها‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏تعزير ف / 37‏)‏‏.‏

ثبوت فسق القاذف وردّ شهادته

25 - إذا قذف الرّجل زوجته، فحقّق قذفه ببيّنة، أو لعان، أو قذف أجنبيّةً أو أجنبيّاً، فحقّق قذفه بالبيّنة، أو بإقرار المقذوف، لم يتعلّق بقذفة فسق، ولا حدّ، ولا ردّ شهادة، وإن لم يحقّق قذفه بشيء من ذلك، تعلّق به وجوب الحدّ عليه، والحكم بفسقه، وردّ شهادته، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَالذينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ‏}‏‏.‏

فإن تاب القاذف لم يسقط عنه الحدّ، وزال الفسق بلا خلاف، وتقبل شهادته عند الجمهور‏.‏ وذهب الحنفيّة إلى أنّه‏:‏ لا تقبل شهادته إذا جلد وإن تاب‏.‏

والتّفصيل في مصطلح ‏(‏توبة ف /21‏)‏‏.‏

تكرار القذف

26 - إن قذف رجلاً مرّات فلم يحدّ، وجب عليه حدّ واحد، سواء قذفه بزناً واحد أو بزنيات‏;‏ لأنّهما حدّان من جنس واحد لمستحقّ واحد، فتداخلا، كما لو زنى ثمّ زنى، وفي قول عند الشّافعيّة‏:‏ أنّه يجب عليه حدّان‏;‏ لأنّه من حقوق الآدميّين، فلم تتداخل، كالدّيون‏.‏

وإن قذفه فحدّ ثمّ أعاد قذفه، نظر‏:‏ فإن قذفه بذلك الزّنا الذي حدّ من أجله لم يعد عليه الحدّ، وعزّر للإيذاء، فإنّ أبا بكرة لمّا حدّ بقذف المغيرة، أعاد قذفه، فلم يروا عليه حدّاً ثانياً، فقد ورد عن ظبيان بن عمارة قال‏:‏ شهد على المغيرة بن شعبة ثلاثة نفر أنّه زان فبلغ ذلك عمر فكبّر عليه وقال‏:‏ شاط ثلاثة أرباع المغيرة بن شعبة، وجاء زياد فقال‏:‏ أمّا عندك‏؟‏ فلم يثبت، فأمر بهم فجلدوا، وقال‏:‏ شهود زور، فقال أبو بكرة‏:‏ أليس ترضى إن أتاك رجل عدل يشهد برجمه‏؟‏ قال‏:‏ نعم والذي نفسي بيده، فقال أبو بكرة‏:‏ وأنا أشهد أنّه زان، فأراد أن يعيد عليه الجلد، فقال عليّ‏:‏ يا أمير المؤمنين إنّك إن أعدت عليه الجلد أوجبت عليه الرّجم، وفي حديث آخر‏:‏ «فلا يعاد في فرية جلد مرّتين»‏.‏

فأمّا إن حدّ له، ثمّ قذفه بزناً ثان، نظر‏:‏ فإن قذفه بعد طول الفصل فحدّ ثان‏;‏ لأنّه لا يسقط حرمة المقذوف بالنّسبة للقاذف أبداً، بحيث يمكّن من قذفه بكلّ حال‏.‏

وإن قذفه عقيب حدّه ففيه رأيان‏:‏

الأوّل‏:‏ يحدّ أيضاً‏;‏ لأنّه قذف لم يظهر كذبه فيه بحدّ، فيلزم فيه حدّ، كما لو طال الفصل‏;‏ ولأنّ سائر أسباب الحدّ إذا تكرّرت بعد أن حدّ للأوّل، ثبت للثّاني حكمه، كالزّنا، والسّرقة، وغيرهما من الأسباب‏.‏

الثّاني‏:‏ لا يحدّ‏;‏ لأنّه قد حدّ له مرّةً، فلم يحدّ له بالقذف عقبه، كما لو قذفه بالزّنا الأوّل‏.‏

حكم قذف من وطئ بشبهة

27 - من قذف من وطئ بشبهة، فعليه الحدّ إذا لم يسقط بهذا الوطء إحصانه، فإن سقط بهذا الوطء إحصانه، لم يحدّ قاذفه‏;‏ لأنّه قذف غير محصن، ويعزّر للإيذاء‏.‏

وعند أبي حنيفة أنّ من قذف رجلاً استكره امرأةً على الزّنا، أو قذفها، فلا حدّ على القاذف‏;‏ لأنّ قذفه للزّاني كان حقّاً، ولأنّ المرأة وإن كانت مكرهةً، لكنّ الزّنا بها يسقط إحصانها مع رفع الإثم عنها‏.‏

انظر تفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏إحصان ف /7، ومصطلح زناً ف / 16 - 21‏)‏‏.‏

حكم من قذف من وطئ المظاهر منها

28 - نصّ الحنفيّة والشّافعيّة على المذهب، على أنّ من وطئ امرأته الّتي ظاهر منها لم يسقط إحصانه، ويحدّ قاذفه‏;‏ لأنّ الوطء في الملك، والحرمة بعارض على احتمال الزّوال، وهذا لأنّ مع قيام الملك بالمحلّ لا يكون الفعل زناً ولا في معناه‏.‏

حكم قذف ولد الزّنا

29 - نصّ الحنفيّة والحنابلة على أنّ‏:‏ من قذف ولد الزّنا في نفسه فعليه الحدّ‏;‏ لأنّه محصن عفيف، وإنّما الذّنب لأبويه، وفعلهما لا يسقط إحصانه‏.‏

حكم قذف ولد الملاعنة

30 - ومن قذف ولد الملاعنة فقال‏:‏ هو ولد زناً، فعليه الحدّ، لما روى ابن عباس‏:‏ «أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في الملاعنة أن لا ترمى، ولا يرمى ولدها، ومن رماها أو رمى ولدها فعليه الحدّ»‏;‏ ولأنه محصن عفيف‏.‏

وإذا قال القاذف‏:‏ هو من الذي رميت به أمّه فعليه الحدّ، أما إن قال‏:‏ ليس هو ابن فلان يعني الملاعن، وأراد أنه منفيّ عنه شرعاً فلا حد عليه لأنه صادق، وقال المالكية‏:‏ من قال لابن الملاعنة‏:‏ لست لأبيك الذي لاعن أمك، فعليه الحدّ‏.‏

حكم من قذف من وطئ بنكاح فاسد

31 - لا حد على قاذف من وطئ بنكاح فاسد عند الحنفية‏;‏ لأن العقد الفاسد غير موجب للملك، والوطء في غير الملك في معنى الزّنا فيسقط إحصانه، فلا يحدّ قاذفه‏.‏

وهو أحد وجهين عند الشافعية‏.‏

والوجه الثاني للشافعية وهو قول الحنابلة‏:‏ أنه يجب عليه الحدّ‏;‏ لأنه وطء لا يجب به الحدّ فلم يسقط الإحصان، فيحدّ قاذفه‏.‏

حكم قذف اللقيط

32 - ومن قذف اللقيط بعد بلوغه محصناً فعليه الحدّ‏;‏ لأن قذف المحصن موجب للحدّ‏.‏

ومن قال له‏:‏ يا ابن الزّنا، ففيه قولان عند المالكية‏:‏ الأول‏:‏ يحدّ لاحتمال أن يكون نبذ مع كونه من نكاح صحيح، وهو قول ابن رشد وهو الراجح‏.‏ الثاني‏:‏ لا يحدّ لأن الغالب في المنبوذ أن يكون ابن زناً، وهو قول اللخميّ‏.‏

وأما لو قال له‏:‏ يا ابن الزاني، أو يا ابن الزانية، فهذا قذف بزنا أبويه، لا بنفي نسب، فلا حد على القاذف اتّفاقاً، وعلله ابن رشد بجهل أبويه‏.‏

قذف المحدود في الزّنا

33 - ومن ثبت زناه ببيّنة أو إقرار فلا حد على قاذفه‏;‏ لأنه صادق سواء قذفه بذلك الزّنا بعينه، أو بزناً آخر أو مبهماً‏;‏ لأنه رمى غير محصن‏;‏ لأن المحصن لا يكون زانياً، ومن لا يجب عليه الحدّ لعدم إحصان المقذوف يعزر‏;‏ لأنه آذى من لا يجوز أذاه‏.‏

قال الشافعية‏:‏ والحكم كذلك ولو تاب بعد زناه وصلح حاله، فلم يعد محصناً أبداً، ولو لازم العدالة وصار من أورع خلق الله وأزهدهم، فلا يحدّ قاذفه، سواء أقذفه بذلك الزّنا أم بزناً بعده، أم أطلق‏;‏ لأن العرض إذا انخرم بالزّنا لم يزل خلله بما يطرأ من العفة، ولا يرد حديث‏:‏ «التائب من الذنب كمن لا ذنب له» لأن هذا بالنّسبة إلى الآخرة‏.‏

ونص الحنابلة على أن‏:‏ من شروط المقذوف أن يكون عفيفاً عن الزّنا في ظاهر حاله، ولو كان تائبًا منه‏;‏ لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، ثم نصّوا على أن المقذوف إذا أقر بالزّنا، ولو دون أربع مرات أو حد للزّنا، فلا حد على قاذفه ويعزر‏.‏

وحكي عن إبراهيم وابن أبي ليلى‏:‏ أنه إن قذفه بغير ذلك الزّنا، أو بالزّنا مبهماً فعليه الحدّ‏;‏ لأن الرمي موجب للحدّ، إلا أن يكون الرامي صادقاً، وإنما يكون صادقاً إذا نسبه إلى ذلك الزّنا بعينه، ففيما سوى ذلك فهو كاذب ملحق للشين به‏.‏

قذف المرأة الملاعنة

34 - ومن قذف الملاعنة فعليه الحدّ، وهو قول جمهور الفقهاء، وهو قول ابن عمر وابن عباس والحسن، والشعبيّ وطاوس ومجاهد‏;‏ لأن إحصانها لم يسقط باللّعان، ولا يثبت الزّنا به، ولذلك لم يلزمها به حدّ، وروي عن ابن عباس‏:‏ «أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في الملاعنة أن لا ترمى ولا يرمى ولدها، ومن رماها أو رمى ولدها فعليه الحدّ»‏.‏

واتفق الحنفية مع الجمهور إذا كانت الملاعنة بغير ولد، فأما إن كانت بولد فلا حد على القاذف عند الحنفية لقيام أمارة الزّنا منها، وهي ولادة ولد لا أب له، ففاتت العفة نظراً إليها، والعفة شرط الإحصان‏.‏

ونص المالكية والشافعية في المذهب على أن قاذف الملاعنة إذا كان أجنبيّاً، أو كان زوجاً وقذفها في غير ما لاعنها فيه، حد مطلقاً فإذا كان الملاعن نفسه وقذفها فيما لاعنها فيه لم يحد، وأضاف الشافعية أنه لا يحدّ ولكن يعزر وكذلك لو أطلق القذف‏.‏

قذف الميّت

35 - أوجب الجمهور حد القذف على من قذف ميّتاً محصناً، ذكراً كان أو أنثى إذا طالب بالحدّ من له الحقّ من الورثة، وذلك لأن وجوب الحدّ باعتبار إحصان المقذوف، والموت يقرّر الإحصان ولا ينفيه‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ لا حد على من قذف ميّتاً إلا إذا كان الميّت أنثى، وكان لها ابن محصن فإن له الحق في المطالبة بالحدّ‏;‏ لأن قذف أمّه قذف له لنفي نسبه، ولهذا لم يعتبر إحصان المقذوف واعتبر إحصان الولد، ومتى كان المقذوف من غير أمهاته لم يتضمن نفي نسبه فلا يحدّ‏.‏

قذف الزوج زوجته برجل بعينه

36 - من قذف امرأته بالزّنا برجل بعينه فقد قذفهما جميعاً، فإن لاعنها سقط الحدّ عنه لهما، وإن لم يلاعن فلكلّ واحد منهما المطالبة بإقامة الحدّ، وأيّهما طالب حد له ومن لم يطالب فلا يحد له‏.‏

وذهب الشافعية وهو قول للحنابلة إلى أن القذف للزوجة وحدها، ولا يتعلق بغيرها حقّ في المطالبة ولا الحدّ‏.‏

حكم من قذف الأجنبية ثم تزوجها

37 - من قذف أجنبيةً ثم تزوجها فعليه الحدّ ولا يلاعن، لأنه قذفها في حال كونها أجنبيةً فوجب الحدّ، ولا يملك اللّعان لأنه قاذف غير زوجة، فحكمه حكم من لم يتزوج‏.‏

من قذف امرأةً لها أولاد لا يعرف لهم أب

38 - من قذف امرأةً لها أولاد لا يعرف لهم أب، فلا حد عليه لقيام أمارة الزّنا، وهي ولادة ولد لا أب له ففاتت العفة نظراً إليها، وهي شرط الإحصان ويعزر للإيذاء‏.‏

قذف واحد لجماعة

39 - من قذف جماعةً بكلمة واحدة أو بكلمات فعليه حدّ واحد، سواء طالبوه دفعةً واحدةً أو طالبوه واحداً بعد واحد‏.‏ فإن حد للأول لم يحد لمن جاء بعده‏;‏ لأن حضور بعضهم للخصومة كحضور كلّهم، فلا يحدّ ثانياً إلا إذا كان بقذف آخر مستأنف، وهو قول الثوريّ والشعبيّ، والنخعيّ وإبراهيم والزّهريّ وقتادة، وطاوس وأبي حنيفة ومالك‏.‏

وعند عطاء والشعبيّ، وابن أبي ليلى والشافعيّ وأحمد‏:‏ إذا قذف جماعةً بكلمات فلكلّ واحد حدّ‏;‏ لأنها حقوق لآدميّين، فلم تتداخل كالدّيون‏.‏

وأما إذا قذفهم بكلمة واحدة فقال الشافعيّ في القديم‏:‏ عليه حدّ واحد، وهو رواية عن الإمام أحمد، ورجحها في المغني لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَالذينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً‏}‏، ولم يفرّق بين قذف واحد أو جماعة‏;‏ ولأن الذين شهدوا على المغيرة قذفوا امرأةً، فلم يحدهم عمر رضي الله عنه إلا حداً واحداً‏;‏ ولأنه قذف واحد فلم يجب إلا حدّ واحد كما لو قذف واحداً‏;‏ ولأن الحد إنما وجب بإدخال المعرة على المقذوف بقذفه، وبحدّ واحد يظهر كذب هذا القاذف وتزول المعرة فوجب أن يكتفى به، بخلاف ما إذا قذف كل واحد قذفاً مفرداً فإن كذبه في قذف لا يلزم منه كذبه في آخر، ولا تزول المعرة عن أحد المقذوفين بحدّه للآخر‏.‏

وقال الحسن وأبو ثور والشافعيّ في الجديد، وابن المنذر والرّواية الثانية عن أحمد‏:‏ يجب لكلّ واحد منهم حدّ، لأنه ألحق العار بقذف كلّ واحد منهم، فلزمه لكلّ واحد منهم حدّ، كما لو انفرد كلّ واحد منهم بالقذف‏.‏

واختلف أبو حنيفة ومالك فيما إذا قذف إنساناً فحد له وفي أثناء إقامة الحدّ قذف إنساناً آخر، فعند أبي حنيفة لا يقام إلا حدّ واحد ولو لم يبق من الضرب إلا سوط واحد، فلا يضرب إلا ذلك السوط، للتداخل‏;‏ لأنه اجتمع حدان‏;‏ ولأن كمال الحدّ الأول بالسوط الذي بقي‏.‏

وعند مالك‏:‏ إن كرر أثناء الجلد فإن كان ما مضى من الجلد أقله ألغي ما مضى، وابتدئ العدد وبذلك يستوفى الثاني‏.‏ وإن كان ما بقي قليلاً فيكمل الأول، ثم يبتدئ للثاني‏.‏

وعند الشافعية والحنابلة إذا قذف جماعةً لا يجوز أن يكونوا كلّهم زناةً عادةً لم يجب الحدّ‏;‏ لأن الحد إنما يجب لنفي العار، ولا عار على المقذوف لأنا نقطع بكذبه ويعزر للكذب‏.‏

قذف الرجل نفسه

40 - من قذف نفسه بأن قال‏:‏ أنا ولد زناً، حد لأنه قذف لأمّه‏.‏

حكم قذف النبيّ صلى الله عليه وسلم وأمّه

41 - قذف النبيّ محمد صلى الله عليه وسلم وقذف أمّه ردة عن الإسلام، وخروج عن الملة، ومن قذف النبي صلى الله عليه وسلم كفر وقتل ولو تاب أو كان كافراً فأسلم، لا إن سبه بغير القذف ثم أسلم‏.‏

قذف زوجة من زوجات النبيّ صلى الله عليه وسلم

42 - اتفق الفقهاء على أن من قذف عائشة رضي الله عنها فقد كذب صريح القرآن الذي نزل بحقّها، وهو بذلك كافر بعد أن برأها الله منه في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الذينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَراً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالذي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ‏}‏ إلى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ‏}‏‏.‏ أما سائر زوجات النبيّ صلى الله عليه وسلم فقد ذهب الحنفية والحنابلة في الصحيح، واختاره ابن تيمية أنهن مثل عائشة في الحكم، واستدلّوا بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏… وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ‏}‏، وقذفهن طعن بالرسول صلى الله عليه وسلم وعار عليه‏.‏

وذهب الشافعية وهو الرّواية الأخرى للحنابلة‏:‏ أن زوجات النبيّ صلى الله عليه وسلم سوى عائشة كسائر الصحابة، وسابّهن يجلد‏;‏ لأنه قاذف‏.‏

وللتفصيل ر‏:‏ ‏(‏ردة ف / 18، وسبّ ف / 18‏)‏‏.‏

حكم قذف الأنبياء

43 - يرى الفقهاء أن من قذف نبيّاً من الأنبياء يقتل، ولا تقبل توبته‏.‏

انظر مصطلح‏:‏ ‏(‏رسول ف / 3‏)‏، ومصطلح‏:‏ ‏(‏سبّ ف / 11 - 13‏)‏‏.‏

حقّ الورثة في المطالبة بحدّ القذف

44 - ذهب الحنفية إلى أنه‏:‏ لا يطالب بحدّ القذف للميّت إلا من يقع القدح في نسبه بقذفه، وهو الوالد وإن علا والولد وإن سفل، لأن العار يلتحق بهما للجزئية، فيكون القذف متناولاً معنىً لهما، فلذلك يثبت لهما حقّ المطالبة، لكن لحوقه لهما بواسطة لحوق المقذوف بالذات فهو الأصل في الخصومة‏;‏ لأن العار يلحقه مقصوداً، فلا يطالب غيره بموجبه إلا عند اليأس عن مطالبته، وذلك بأن يكون ميّتاً، فلذا لو كان غائباً لم يكن لولده ولا لوالده المطالبة لأنه يجوز أن يصدّقه الغائب‏.‏

ويثبت للأبعد مع وجوب الأقرب، وكذا يثبت لولد الولد مع وجود الولد، ولو عفا بعضهم كان لغيره أن يطالب به‏;‏ لأنه للدفع عن نفسه‏.‏

وإذا كان المقذوف محصناً جاز لابنه الكافر أن يطالب بالحدّ خلافاً لزفر، إذ يقول‏:‏ القذف يتناوله معنىً لرجوع العار إليه وليس طريقه الإرث عندنا، كما إذا كان متناولاً له صورةً ومعنىً، بأن يكون هو المقصود بالقذف ولو كان كذلك لم يكن له حقّ المطالبة لعدم إحصانه، فكذا إذا كان مقذوفاً معنىً فقط‏.‏

ولكنا نقول‏:‏ إنه عيره بقذف محصن، فيأخذه بالحدّ، وهذا لأن الإحصان في الذي ينسب إلى الزّنا شرط ليقع تعييراً على الكمال، ثم يرجع هذا التعيير الكامل إلى ولده، والكفر لا ينافي أهلية الاستحقاق، بخلاف ما إذا تناول القذف نفسه لأنه لم يوجد تعيير على الكمال، لفقد الإحصان في المنسوب إلى الزّنا‏.‏

والحاصل أن السبب التعيير الكامل، وهو بإحصان المقذوف، فإن كان حيّاً كانت المطالبة له، أو ميّتاً طالب به أصله أو فرعه، وإن لم يكن محصناً لم يتحقق التعيير الكامل في حقّه‏.‏

وذهب المالكية إلى أن‏:‏ للوارث حق القيام بحقّ مورّثه المقذوف قبل موته وبعد موته، وهو ولد وولده وإن سفل، وأب وأبوه وإن علا، ثم الأخ فابنه‏.‏ فعمّ فابنه، وهكذا ولكلّ من الورثة القيام بحقّ المورّث وإن وجد من هو أقرب منه‏.‏ كابن الابن مع وجود الابن‏;‏ لأن المعرة تلحق الجميع ولا سيما إذا كان المقذوف أنثى خلافاً لأشهب القائل‏:‏ يقدم الأقرب فالأقرب في القيام بحقّ المورّث المقذوف كالقيام بالدم‏.‏

وذهب الشافعية إلى أنه‏:‏ إذا مات من له الحدّ أو التعزير وهو ممن يورث انتقل ذلك إلى الوارث، وفيمن يرثه ثلاثة أوجه‏:‏

الأول‏:‏ أنه يرثه جميع الورثة، لأنه موروث فكان لجميع الورثة، كالمال، وهو الأصحّ عندهم‏.‏

الثاني‏:‏ أنه لجميع الورثة إلا لمن يرث بالزوجية‏;‏ لأن الحد يجب لدفع العار، ولا يلحق الزوج عار بعد الموت لأنه لا تبقى زوجية‏.‏

الثالث‏:‏ أنه يرثه العصبات دون غيرهم لأنه حقّ ثبت لدفع العار، فاختص به العصبات كولاية النّكاح، وإن كان له وارثان فعفا أحدهما ثبت للآخر الحدّ لأنه جعل للردع، ولا يحصل الردع إلا بما جعله الله عز وجل للردع، وإن لم يكن له وارث فهو للمسلمين ويستوفيه السّلطان‏.‏

وذهب الحنابلة إلى أن من قذفت أمّه وهي ميّتة مسلمةً كانت أو كافرةً، حرةً أو أمةً حد القاذف إذا طالب الابن وكان حرّاً مسلماً‏.‏

أما إذا قذفت وهي في الحياة فليس لولدها المطالبة لأن الحق لها فلا يطالب به غيرها، ولا يقوم غيرها مقامها سواء كانت محجوراً عليها أو غير محجور عليها‏;‏ لأنه حقّ يثبت للتشفّي فلا يقوم غير المستحقّ مقامه كالقصاص، وتعتبر حصانتها لأن الحق لها، فتعتبر حصانتها كأن لم يكن لها ولد، وأما إذا قذفت وهي ميّتة، فإن لولدها المطالبة لأنه قدح في نسبه‏;‏ ولأنه بقذف أمّه يَنْسِبُهُ إلى أنه من زناً، ولا يستحقّ ذلك بطريق الإرث، ولذلك لا تعتبر الحصانة في أمّه لأن القذف له‏.‏ فأما إن قذفت أمّه بعد موتها وهو مشرك أو عبد فلا حد على القاذف، سواء كانت الأمّ حرةً مسلمةً أو لم تكن، وإن قذفت جدته فهو كقذف أمّه‏.‏

فأما إن قذف أحد أباه أو جده أو أحداً من أقاربه غير أمهاته بعد موته، لم يجب الحدّ بقذفه‏;‏ لأنه إنما يجب بقذف أمّه حقّاً له لنفي نسبه لاحقاً للميّت، ولهذا لم يعتبر إحصان المقذوفة واعتبر إحصان الولد، ومتى كان المقذوف من غير أمهاته لم يتضمن نفي نسبه فلم يجب الحدّ‏.‏

قذف المجهول

45 - من قذف مجهولاً لا حد عليه لعدم تعيين المعرة، إذ لا يعرف من أراد والحدّ إنما هو للمعرة، فإن اختلف رجلان في شيء فقال أحدهما‏:‏ الكاذب هو ابن زانية، فلا حد عليه لأنه لم يعيّن أحداً بالقذف، وإذا سمع السّلطان رجلاً يقول‏:‏ زنى رجل، لم يقم عليه الحد‏;‏ لأن المستحق مجهول، ولا يطالبه بتعيينه لقول الله عز وجل‏:‏ ‏{‏لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ‏}‏، ولأن الحد يدرأ بالشّبهة، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ «يا هزال، لو سترته بثوبك كان خيراً لك»، وإن قال سمعت رجلاً يقول‏:‏ إن فلاناً زنى، لم يحد لأنه ليس بقاذف وإنما هو حاك، ولا يسأله عن القاذف‏;‏ لأن الحد يدرأ بالشّبهة، وإن قال لجماعة‏:‏ أحدكم زان أو ابن زانية فلا حد عليه، ولو قاموا كلّهم لعدم تعيينه المعرة لواحد منهم إذ لا يعرف من أراد، وهذا إذا كثرت الجماعة بأن زادوا على ثلاثة، فإن كانوا ثلاثةً أو اثنين حد إن قاموا أو قام بعضهم وعفا البعض الباقي، إلا أن يحلف أنه لم يرد القائم وإن لم يحلف حد، وهذا عند المالكية، وقال الحنفية‏:‏ لو قام بعضهم فقال‏:‏ لم أرد القائم لم يحد سواء عفا البعض أو لم يعف، وسواء حلف أنه لم يرد القائم أو لم يحلف‏;‏ لأن القذف وقع غير موجب للحدّ، حيث لم يعيّن أحداً بالقذف‏.‏

قذف المرتدّ والكافر والذّمّيّ والفاسق

46 - من قذف مرتدّاً لا حد عليه‏;‏ لأن المرتد غير محصن بأن خرج عن دين الإسلام، وإن ارتد المقذوف بعد قذفه فلا حد على قاذفه ولو تاب بأن رجع للإسلام، وقال المزنيّ وأبو ثور‏:‏ إن ارتد المقذوف بعد قذفه فإن ردته لا تسقط الحد‏;‏ لأنها أمر طرأ بعد وجوب الحدّ فلا يسقط ما وجب من الحدّ‏.‏

ومن قذف كافراً ولو ذمّيّاً لا حد عليه عند الجمهور، ويعزر للإيذاء، لما روى ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «من أشرك بألله فليس بمحصن»، وقال الزّهريّ وسعيد بن المسيّب وابن أبي ليلى‏:‏ عليه الحدّ إذا كان لها ولد مسلم، قال ابن المنذر‏:‏ وجلّ العلماء مجمعون وقائلون بالقول الأول، ولم أدرك أحداً ولا لقيته يخالف ذلك‏.‏

ويحدّ قاذف الفاسق إذا كان فسقه بغير الزّنا‏;‏ لكونه عفيفًا عن الزّنا فهو محصن وقذف المحصن موجب للحدّ، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَالذينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ‏}‏ الآية‏.‏

قذف الخصيّ والمجبوب والمريض مرضاً مدنفاً والرتقاء

47 - ذهب الحنفية والمالكية والشافعية إلى أنه لا حد على قاذف المجبوب، وكذلك الرتقاء عند أبي حنيفة لفقدان آلة الزّنا ولأنه لا يلحقهما الشين، فإن الزّنا منهما لا يتحقق ويلحق الشين القاذف في هذا القذف‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ يجب الحدّ على من قذف خصيّاً أو مجبوباً أو مريضاً مدنفاً أو رتقاء، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَالذينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ‏}‏، فهم داخلون في عموم الآية، ولأنه قاذف لمحصن فيلزمه الحدّ كقذف القادر على الوطء‏;‏ ولأن إمكان الوطء أمر خفيّ لا يعلمه كثير من الناس، فلا ينتفي العار عند من لم يعلمه بدون الحدّ فيجب كقذف المريض‏.‏

وقال الحسن‏:‏ لا حد على قاذف الخصيّ‏;‏ لأن العار منتف عن المقذوف بدون الحدّ للعلم بكذب القاذف، والحدّ إنما يجب لنفي العار‏.‏

حكم من قذف ولده

48 - إذا قذف ولده وإن نزل لم يجب عليه الحدّ سواء كان القاذف ذكراً أو أنثى، وبهذا قال عطاء والحسن والشافعيّ وأحمد وأبو حنيفة وهو المذهب عند المالكية‏.‏ وفي قول عندهم‏:‏ يجب عليه الحدّ بقذف الابن، وهو قول عمر بن عبد العزيز، وأبي ثور وابن المنذر لإطلاق آية ‏{‏فَاجْلِدُوهُمْ‏}‏، ولأنه حدّ هو حقّ لله فلا يمنع من إقامته قرابة الولادة كالزّنا‏.‏

والجواب على من قال بوجوب الحدّ‏:‏ أن الإطلاق أو العموم مخرج منه الولد على سبيل المعارضة بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ‏}‏ والمانع مقدم، ولهذا لا يقاد والد بولده، وإهدار جنايته على نفس الولد توجب إهدارها في عرضه بطريق أولى، والفرق بين القذف والزّنا أن حد الزّنا خالص لحقّ الله تعالى لا حق للآدميّ فيه، وحدّ القذف حقّ لآدميّ، فلا يثبت للابن على أبيه كالقصاص‏.‏

قرْء

التعريف

1 - القرء لغةً‏:‏ بالفتح والضمّ الحيض، ويطلق أيضاً على الطّهر، وهو من الأضداد، وجمعه قروء وأقرؤ مثل فلس وفلوس وأفلس، ويجمع على أقراء مثل قفل وأقفال‏.‏

وعن أبي عمرو أنه في الأصل اسم للوقت‏.‏

ويطلق على الطّهر والحيض جميعاً، حيث لا خلاف بين أهل اللّغة في أن القرء من الأسماء المشتركة يذكر ويراد به الحيض والطّهر على طريق الاشتراك، فيكون حقيقةً لكلّ واحد منهما‏.‏ وقد اختلف الفقهاء في المعنى الاصطلاحيّ للقرء على قولين‏:‏

القول الأول‏:‏ وهو قول المالكية والشافعية وأحمد في رواية، وكثير من الصحابة ‏"‏ رضي الله عنهم ‏"‏ وفقهاء المدينة قالوا‏:‏ إن المراد بالأقراء في العدة الأطهار، لقول عائشة رضي الله عنها‏:‏ الأقراء الأطهار‏.‏

القول الثاني‏:‏ وهو قول الحنفية وأحمد في رواية أخرى والخلفاء الأربعة، وجماعة من السلف وابن مسعود وطائفة كثيرة من الصحابة والتابعين وأئمة الحديث‏:‏ أن المراد بالقرء الحيض، قال أحمد في رواية النيسابوريّ‏:‏ كنت أقول إنه الأطهار، وأنا أذهب اليوم إلى أن الأقراء الحيض‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالقرء

عدة ذوات الأقراء

2 - اتفق الفقهاء على أنه يجب على المرأة المطلقة ومن في حكمها ذات الأقراء أن تعتد بثلاثة قروء، لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ‏}‏، سواء وجبت العدة بالفرقة في النّكاح الصحيح أو في النّكاح الفاسد أو الوطء بشبهة، قال ابن قدامة‏:‏ إن عدة المطلقة إذا كانت حرةً وهي من ذوات الأقراء ثلاثة قروء بلا خلاف بين أهل العلم‏.‏

واختلفوا في معنى القرء - كما تقدم - فقال الحنفية والحنابلة‏:‏ إن المراد بالقرء الحيض، وذهبوا إلى أن من طلق امرأته في حالة الطّهر لا يحتسب ذلك الطّهر من العدة، حتى لا تنقضي عدتها ما لم تحض ثلاث حيض كوامل بعده‏;‏ لأن الله تعالى أمر بثلاثة قروء كاملة، فلا يعتدّ بالحيضة التي طلقها فيها، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ‏}‏ أمر الله تعالى بالاعتداد بثلاثة قروء، ولو حمل القرء على الطّهر لكان الاعتداد بطهرين وبعض الثالث‏;‏ لأن بقية الطّهر الذي صادفه الطلاق محسوب من الأقراء، والثلاثة اسم لعدد مخصوص، والاسم الموضوع لعدد لا يقع على ما دونه فيكون ترك العمل بالكتاب، ولو حملناه على الحيض يكون الاعتداد بثلاث كوامل‏;‏ لأن ما بقي من الطّهر غير محسوب من العدة، فيكون عملاً بالكتاب‏;‏ ولأن المعهود في لسان الشرع استعمال القرء بمعنى الحيض، «قال النبيّ صلى الله عليه وسلم للمستحاضة‏:‏ إذا أتى قرؤك فلا تصلّي»‏;‏ ولأن هذه العدة وجبت للتعرّف على براءة الرحم، والعلم ببراءة الرحم يحصل بالحيض لا بالطّهر، فكان الاعتداد بالحيض لا بالطّهر‏.‏ وقال المالكية والشافعية‏:‏ إن القرء هو الطّهر، وأن المراد بالقروء في الآية الكريمة الأطهار، فإنها لو طلقت طاهراً وبقي من زمن طهرها شيء ولو لحظةً حسبت قرءاً‏;‏ لأن بعض الطّهر وإن قل يصدق عليه اسم قرء، فتنزل منزلة طهر كامل‏.‏

واستدل أصحاب هذا القول بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ‏}‏، أي في وقت عدتهن، لكن الطلاق في الحيض محرم، فيصرف الإذن إلى زمن الطّهر، وقد فسر النبيّ صلى الله عليه وسلم العدة بالطّهر في ذلك الحديث، حيث قال‏:‏ «فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النّساء»، فدل على أن العدة بالطّهر، ولدخول الهاء في الثلاثة في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ‏}‏، وإنما تدخل الهاء في جمع المذكر لا في جمع المؤنث يقال ثلاثة رجال وثلاث نسوة، والحيض مؤنث والطّهر مذكر، فدل على أن المراد منها الأطهار‏.‏

انتقال العدة

أ - انتقال العدة من الأقراء إلى الأشهر‏:‏

3 - ذهب جمهور الفقهاء إلى تحوّل العدة من الحيض إلى الأشهر في حقّ من حاضت حيضةً أو حيضتين ثم أصبحت يائسةً، فتنتقل عدتها من الحيض إلى الأشهر، فتستقبل بالأشهر‏;‏ لأنها لما أيست قد صارت عدتها بالأشهر، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ‏}‏، فالأشهر بدل عن الحيض‏.‏

ب - انتقال العدة من القروء أو الأشهر إلى وضع الحمل‏:‏

4 - ذهب الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة إلى أنه لو ظهر في أثناء العدة بالقروء أو الأشهر أو بعدها أن المرأة حامل من الزوج، فإن العدة تتحول إلى وضع الحمل، وسقط حكم ما مضى من القروء أو الأشهر، وتبين أن ما رأته من الدم لم يكن حيضاً‏;‏ ولأن وضع الحمل أقوى من الدم في الدلالة على براءة الرحم من آثار الزوجية التي انقضت، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ‏}‏‏.‏

والتفصيل في مصطلح ‏(‏عدة ف 38‏)‏‏.‏

ج - انتقال العدة من الأشهر إلى الأقراء‏:‏

5 - اتفق الفقهاء على أن الصغيرة إذا اعتدت ببعض الأشهر، ثم رأت الدم، تنتقل عدتها من الأشهر إلى الأقراء‏;‏ لأن الأشهر في حقّ الصغيرة بدل عن الأقراء، وقد ثبتت القدرة على المبدل، والقدرة على المبدل قبل حصول المقصود بالبدل تبطل حكم البدل‏.‏

وللتفصيل انظر‏:‏ ‏(‏عدة ف / 28 - 31‏)‏‏.‏